◄كان الشاعر الفرنسي بودلير يرى أنّ الشقاء هو أن تجد ما اعتدت عليه. والسعادة أن تبحث عن الذي لا تعرفه، فإذا عرفته فالسعادة مرة أخرى أن تلوذ بشيء آخر بعد ذلك.. موجة وراء موجة في بحر لا نهاية له!
ويتغير مفهوم السعادة ورؤيتنا إليها من شخص لأخر ومن كاتب إلى آخر، فيقول الكاتب الروائي مارك توين أنّ السعادة قناعة، فإذا رضينا بحياتنا وقنعنا بها، فقد بلغنا قمة السعادة، بينما يرى الكاتب الروائي هربرت ج ويلز «إنّها راحة البال، وليس هناك ما هو أثمن ولا أندر من تلك اللحظات التي يحس فيها المرء بأنّ ضميره مرتاح، لأنّه لم يظلم أحد».
أمير القصة العربية د. يوسف إدريس لا يرى السعادة في الراحة كما يراها البعض، فيقول: «نحن لا نسعد إذا استرحنا دائماً.. نحن نسعد بساعة الراحة إذا جاءت وسط يوم كامل أو ربما حياة كاملة من الشقاء.. ويرى أنّ الموت هو أن نسجن أنفسنا داخل حياة متشابهة وهو أن ندور في دائرة واحدة مهما كانت تلك الدائرة».
بينما كان التنقل هو جنة السندباد المصري الكاتب أنيس منصور الذي يقول: «ليست الجنة أن ترى شيئاً واحداً مهما كان حلواً ولكن أن ترى الكثير وأن تعرف الكثير.. فالجنة في التنقل لا في البقاء حيث أنت».
النصف الآخر
وقد تكون السعادة في العثور على نصفنا الآخر أو التخلص من العقد النفسية التي تسيطر علينا، وقد جسدت هذه المعاني الكاتبة هيلين دوفال في روايتها «البحث عن السعادة» والتي يدور ملخصها حول دليلة جونز التي عاشت طفولة مضطربة قاسية.. إنّ مجرد الأكل والنوم كانا يمثلان لها مشكلة من الناحية المالية، واضطرت إلى النضال منذ شبابها المبكر حتى تستطيع الاستمرار في الحياة، واستطاعت أن تنهي دراستها الطبيّة وتعمل ممارسة عامّة في أحد المستشفيات، وأصبح لها هدف واحد في الحياة: الزواج من أحد الأخصائيين من ذوي الأسماء اللامعة في الطب وبالتالي من ذوي الثراء.
تسافر إلى «أكابولكو» لحضور أحد المؤتمرات الطبية، وتتعرف هناك على «بيل شيلي» أحد الأطباء الشبان، وكان على النقيض تماماً من الزوج المثالي الذي تبحث عنه، حيث كرس حياته للجانب الإنساني من مهنته، ولا يؤم عيادته الخاصّة إلّا هؤلاء الذين يعيشون على حافة الفقر، كانت الهوة بينهما واسعة، ولكن الحب ربط بين قلبيهما، واستطاع أن يحررها من أشباح الماضي.
الطموح
يعتقد الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، الذي مهد للثورة الفرنسية، «إنّ السعادة تتمثل في الطموح، فالتطلع إلى مستقبل أفضل وحياة أكثر حرية وكرامة، هو السعادة عينها، ولا سعادة بغير طموح».
على حين يرى الفيلسوف والمفكر الفرنسي منتسكيو أنّ السعادة ليست صعبة المنال فيقول: «لو إنّ المرء اكتفى بأن يكون سعيداً، لهان الأمر.. فليست السعادة أمراً صعب المنال، ولكن مشكلة البشر أينما كانوا هي أنّهم يريدون أن يكونوا أسعد من غيرهم والصعوبة في تحقيق هذه السعادة تكمن في إنّنا نتصور دائماً أنّ غيرنا أسعد حالاً منا.. ولو اقتنع الناس بما هم فيه من سعادة لعاش العالم كلّه في سلام».
أما الأديب البرتغالي ساراماجو فيرى «أنّ السعادة الحقيقية هي أن يتخذ المرء خطوات تجاه معرفة ذاته».
في أدب المهجر
وقد تناول أدب المهجر مفهوم السعادة ونسبيتها وركّز على ما هو جوهري في الوجود الإنساني، ورأى أنّ الرفاه المادّي ما هو إلّا وسيلة يفترض فيها أن تزيد من سعادة الإنسانية ككلّ لا أن تتحول إلى غاية أو تصبح مظهر من مظاهر الطبقية والاستغلال.
ويرى إيليا أبو ماضي أنّ السعادة ليست في القصور والرياش، بل إنّها شعور نفسي غامر يفيض من القلب، فيقول:
أيها الشاكي الليالــــــي إنما الغبطة فكــــــره
ربما استوطنت الكــــوخ وما في الكوخ كســــره
وخلت منها القصـــــور
العاليات المشمخـــــره
تلمس الغصن المعــــرى
فإذا في الغصن نضـــره
و إذا رفت على القفــــر استوي ماء وخضــــره
وإذا مست حصــــــاة صقلتـــــها فهـي دره
مسكن يؤويه
وفي مقطوعة أدبية وضعها أحد الأدباء العرب حاول فيها تجسيد معنى السعادة من منظور ديني، يقول:
السعادة أن يكون للمرء مسكن يؤويه..
وضيعة قريبة، غلتها تكفيه..
ولا تزيد على كفايته فتطغيه..
وزوجة مؤمنة تراضيه وتواتيه..
وولد بار يسليه..
وجار صالح لا يؤذيه..
وخادم عن محنة نفسه يحميه..
وما وراء ذلك فلا حاجة له فيه.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق